أخبار عاجلة
الإعلامي المغربي عبد الفتاح الصادقي يكتب : حدود المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل

الإعلامي المغربي عبد الفتاح الصادقي يكتب : حدود المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل

االرباط – العرب تيفي –  عبد الفتاح الصادقي

الإعلامي المغربي عبد الفتاح الصادقي يكتب : حدود المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل

ذهبت تحليلات كثيرة إلى اعتبار ما أطلقت عليه حركة حماس الفلسطينية “طوفان الأقصى”، يعد بداية عهد جديد في العلاقات الدولية، وعلى مستوى الدور الإقليمي الذي تلعبه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبالنسبة للقضية الفلسطينية، التي يمكن القول إن الصراع فيها انتقل من الصراع  العربي /الإسرائيلي إلى الصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني، وانحصر أخيرا في صراع بين إسرائيل وحركة حماس .

لقد ظلت الحركة الصهيونية مباشرة بعد اعتراف المنتظم الدولي بإسرائيل كدولة، تعمل على تقوية وجودها العسكري والأمني والاقتصادي فوق ارض فلسطين، وبعد أن كانت تعتمد في ترسانتها الحربية على الخارج، حيث كانت  فرنسا  في البداية هي المورد الرئيسي للأسلحة، استعانت في ما بعد  بالمساعدات السخية التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت في أن تصبح قوة عسكرية عالية التقنية ..

وظل نظام الحكم الملالي منذ وصول ” آية الله روح الله الخميني”  في طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية في الأول من  فبراير عام  1979، إلى مطار مهر آباد الدولي بطهران، يعمل جاهدا على تصدير ثورته بجميع الوسائل،  ويحاول توسيع دائرة  وكلائه الإقليمين في لبنان سوريا  والعراق واليمن، ووصل الأمر إلى الجزائر عبر ربيبتها جبهة البوليساريو الانفصالية، واستطاع فعلا أن يحقق بعض أهدفه، في احترام تام للتوازنات الإقليمية التي ترغب فيها القوى الدولية العظمى، لكنه أخفق في تحقيق تطور حقيقي على الصعيد الداخلي ، سواء على المستوى الاقتصادي أو الديمقراطي أو العسكري.وبات وضع هذا النظام ه أكثر اهتزازا وتعقيدا بعد هجمات حركة حماس على إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023،  ذلك أن رهانات ما بعد “طوفان الأقصى”  لن تكون  حتما، مماثلة لتلك التي  تفرض نفسها بعد حرب الإبادة والتخريب والتدمير المستمرة في قطاع غزة، وبعد الضربات الموجعة التي تعرض لها وكلاء إيران في المنطقة طيلة أكثر من سنة وتسعة أشهر، وبعد الهجمات الدقيقة والواسعة التي نفذتها إسرائيل على مناطق متعددة داخل إيران فجر يوم الجمعة 13 يونيو 2025، استهدفت مجموعة من الأهداف العسكرية والمدنية والنووية..

إن الحديث عن استمرار الهجمات العسكرية بين إيران وإسرائيل، يدفع إلى  طرح  أسئلة تتعلق بمدى إمكانية توسع هذه الهجمات إلى مواجهة ميدانية  مباشرة، وبالقدرات التي يتوفر عليها كل طرف من طرفي المواجهة،  وعناصر القوة والضعف بالنسبة لإيران، وعناصر الضعف والقوة بالنسبة لإسرائيل، والقيام أخيرا بتحليل مقارن للقوات العسكرية الإيرانية والإسرائيلية.

يؤكد الخبراء العسكريون أن  تحليل القدرات العسكرية لإيران وإسرائيل يكشف عن اختلافات جوهرية قد تؤثر على نتيجة المواجهة العسكرية المباشرة. فرغم تفوق إيران العددي، إلا أن إسرائيل تُعوّض ذلك بتفوقها التكنولوجي والتحديث المستمر لجيشها. ويمكن المقارنة بين الطرفين اعتماد على عدد من العناصر المحددة، منها القوة العددية للجيش، والقوة الجوية، والقوة الصاروخية، والاعتماد على التكنولوجيا والبحث والتطوير، والترتيب العالمي والتموقع الإقليمي للجيوش..

 فبخصوص القوة العددية للجيش، تفيد المعطيات المتوفرة أن إيران تمتلك قوة عسكرية أكبر بكثير من حيث عدد الأفراد بالمقارنة مع إسرائيل . فمع  وجود أكثر من 600 ألف جندي نشط و350  ألف جندي احتياطي، تستطيع إيران تعبئة حوالي  مليون جندي. في حين تمتلك إسرائيل حوالي 170 ألف جندي في الخدمة الفعلية، مع العلم أن نظام التجنيد الإسرائيلي، يضمن جيشًا مدربًا تدريبًا جيدًا وقدرة على تعبئة عدد كبير من جنود الاحتياط ذوي الخبرة.

 ويبرز التفاوت بين الطرفين بشكل واضح في مجال القوة الجوية، حيث تمتلك إسرائيل قوة جوية وفضائية حديثة ومتطورة، تُصنف من بين الأفضل في العالم. وتضم أكثر من 300 طائرة متطورة، جميعها أمريكية الصنع، بما في ذلك حوالي 40 طائرة مقاتلة قاذفة شبح من طرازF-35 ، وتوفر هذه الطائرات من الجيل الخامس لإسرائيل ميزة تكنولوجية كبيرة من حيث التخفي، وأجهزة الاستشعار المتقدمة، وقدرات الضرب الدقيقة. في المقابل، يوصف أسطول الطائرات الإيراني بأنه متقادم، مما يجعله عرضة للخطر بشكل كبير أمام القوة الجوية التي تتمتع بها  إسرائيل. ويعدّ الضعف الجوي الإيراني عاملاً حاسماً من شأنه أن يحدّ من قدرة إيران على إبراز قوتها أو الدفاع بفعالية عن مجالها الجوي ضد الهجمات المتطورة.

 وبالنسبة للقوة الصاروخية، استثمرت إيران بكثافة في برنامجها الصاروخي، حيث تمتلك ترسانة تُقدّر بـألفي  صاروخ، يُقال إن بعضها، مثل صاروخ Kh-55، يبلغ مداه 3000 كيلومتر، ويمتلك قدرات نووية ، علما بأن امتلاك إيران لرؤوس حربية نووية يُعدّ موضع جدل دولي وغير مؤكد. كما تُعرف إيران بقدراتها المتقدمة في مجال الطائرات بدون طيار، والتي استُخدمت في عمليات إقليمية مختلفة. من جانبها، تمتلك إسرائيل ترسانة صاروخية ضخمة ومتطورة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، وقد طورت أنظمة دفاع صاروخي متطورة مثل “القبة الحديدية”، و”مقلاع داوود”، و”السهم”، المصممة لاعتراض مجموعة واسعة من التهديدات الجوية والباليستية.  

 وبخصوص القوة المتعلقة بالتكنولوجيا والبحث والتطوير، يؤكد الخبراء أن إسرائيل تتميز باستثماراتها الضخمة في أحدث التقنيات والبحث والتطوير العسكري. وقد مكّنها هذا النهج من تطوير أنظمة أسلحة متطورة، وقدرات استخباراتية فائقة. في حين تسعى صناعة الأسلحة الإيرانية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، غالبًا ما تتم بسرية وتحت وطأة العقوبات الدولية، مما يحد من وصولها إلى أحدث التقنيات وقدرتها على إنتاج معدات عسكرية منافسة لتلك التي تمتلكها إسرائيل، وهو ما يجعل التطور التكنولوجي الإسرائيلي يتوفر على ميزة نوعية لا يمكن إنكارها في المواجهات العسكرية.

 أما على مستوى الترتيب العالمي والتموقع الإقليمي للجيوش، يصنف موقع “جلوبال فاير باور”، إسرائيل في المرتبة الخامسة عشرة من حيث أكبر قوة عسكرية في العالم برسم عام 2025، وثاني أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط. ويعكس هذا الترتيب القوة الإجمالية للجيش، وتقنيته، وقدرته على العمل في بيئة إقليمية معقدة، وتأتي بعدها إيران في المرتبة 16، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عيوبها التكنولوجية وعزلتها الدولية.

ويبرز الخبراء أن إيران تعاني من العديد من القيود الجيوسياسية والاقتصادية التي تؤثر بشكل سلبي على إمكانياتها ومؤهلاتها العسكرية، والتي تحد من قدرتها على الدخول في مواجهة عسكرية واسعة وطويلة الأمد مع إسرائيل، ويأتي في مقدمة هذه القيود العقوبات الدولية المفروضة على إيران، والتي تُعزى أساسًا إلى برنامجها النووي.فبالرغم من انتهاء حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة في أكتوبر 2020 ، مما سمح لإيران باستيراد معدات عسكرية أجنبية، إلا أن عقوبات أخرى لا تزال قائمة وتستهدف قطاعات رئيسية في اقتصادها، بما في ذلك النفط والبتروكيماويات. ولاشك أن هذه العقوبات تحد من عائدات إيران، مما يؤثر بشكل مباشر على ميزانيتها العسكرية وقدرتها على تمويل اقتناء التقنيات المتقدمة وتحديث قواتها المسلحة. وقد أظهرت الدراسات أن للعقوبات متعددة الأطراف تأثيرًا سلبيًا كبيرًا على الإنفاق العسكري الإيراني. كما أن عزلة إيران الدولية وصعوبة وصولها إلى الأسواق العالمية للأسلحة الحديثة تُعيق تطورها العسكري بشكل كبير مقارنةً بإسرائيل، التي تتمتع بامتياز الوصول إلى التقنيات الغربية، وخاصة الأمريكية..

 وانطلاقا من التحليل السابق يذهب الباحثون إلى  القول إن إيران تمتلك القدرة على الرد على الهجمات الإسرائيلية، وذلك بالأساس من خلال ترسانتها الضخمة من الصواريخ والطائرات المسيرة، ولكن طبيعة هذا الرد تبقى غير متكافئة مع هجمات إسرائيل، كما أن  نطاقه سيظل محدودا ، ولن يصل  إلى مواجهة مباشرة وطويلة الأمد  بين القوات التقليدية الإيرانية و الإسرائيلية.

والواقع أن التجربة بعد اغتيال إسماعيل هنية زعيم حركة حماس فوق الأراضي الإيرانية وبعد  الهجمات التي تعرضت لها إيران، أظهرت  أن التهديدات التي يطلقها القادة الإيرانيون تبقى محدودة ميدانيا، ولم تصل إلى  استهداف المصالح الإسرائيلية الإستراتيجية، لأن طهران  مقتنعة  بأن المواجهة المباشرة  والواسعة وطويلة الأمد مع  إسرائيل ستكون محفوفة بالمخاطر، وغير مأمولة النتائج ، وهي مقتنعة بوجود عدة تحديات تمنعها من الدخول في هذه المواجهة. ويقف الخبراء عند خمسة  تحديات  أساس تتمثل في مايلي :

التحدي الأول يهم الضعف الكبير على مستوى القوة الجوية ، حيث يعد الأسطول الجوي الإيراني متقادما، ولا يمكنه مضاهاة سلاح الجو الإسرائيلي الحديث والمتفوق تكنولوجياً. وانطلاقا من هذا الضعف  لن تتمكن إيران من حماية بنيتها التحتية الحيوية أو قواتها البرية أو إبراز قوتها خارج حدودها.

التحدي الثاني  يتعلق  بمحدودية التكنولوجيا العسكرية التي تتوفر عليها إيران، فعلى الرغم من جهودها لتطوير صناعة أسلحة مكتفية ذاتياً، فإن وصولها إلى التقنيات المتقدمة يظل محدودا جدا بسبب العقوبات الدولية، وهذا يعني اعتماد إيران على  معدات أقل تطوراً وكفاءة من تلك التي تمتلكها إسرائيل.

التحدي الثالث يرتبط بضعف قدرات الدفاع الصاروخي الإيرانية: تمتلك إسرائيل أنظمة دفاع صاروخي متعددة الطبقات (القبة الحديدية، مقلاع داوود، السهم) قادرة على اعتراض مجموعة واسعة من التهديدات، فإن الوضع في إيران على العكس من ذلك، فبالرغم من امتلاكها  لكثير من الصواريخ، إلا أنه يمكن تحييد العديد منها قبل وصولها إلى أهدافها داخل إسرائيل ، وهو ما حصل فعلا.

التحدي الرابع  يخص القيود الاقتصادية على الدولة الإيرانية، ذلك أن  العقوبات الدولية أضعفت الاقتصاد الإيراني، مما حد من قدرته على تحديث الجيش وتمويل حرب طويلة الأمد .

التحدي الخامس يهم العزلة الدولية التي تعاني منها إيران، على عكس  إسرائيل التي تتمتع بدعم عسكري ودبلوماسي كبير من الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى.

  »عندما تندلع أي أي حرب، وبعد إطلاق أول رصاصة ، يكون السؤال الأول الذي يُطرح هو “كيف ستنتهي هذه الحرب؟” إن  أي شخص يُجيب بثقة على هذ السؤال إما أنه عراف  أو غبي ..   «

إنها الخلاصة المفيدة التي انتهى إليها محرر الملف الذي أعدتها صحيفة “نيويورك بوسط ” حول الهجمات الإسرائيلية الإيرانية   والمنشور يوم السبت 14 يونيو 2025 ..

شاهد أيضاً

شركة إير فرانس تعلق رحلاتها الجوية إلى تل أبيب "حتى إشعار آخر"

شركة إير فرانس تعلق رحلاتها الجوية إلى تل أبيب “حتى إشعار آخر”

الرباط – العرب تيفي شركة إير فرانس تعلق رحلاتها الجوية إلى تل أبيب “حتى إشعار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *